عقوق الوالدين كبيرة عظمي من أكبر الكبائر التي نهي الله تبارك وتعالي عنها وحذرنا منها أشد الحذر والآيات القرآنية كثيرة والأحاديث النبوية الشريفة أيضا ، لكن للأسف عصرنا الحالي إنتشرت بشكل كبير عصر الأقمار الصناعية التكنولجيا والإنترنت والفضائيات وتعددت أشكاله وألوانه ليدل على انحراف ممنهج وخطير في المجتمعات الإسلامية عن شرع الله تبارك وتعالي التي جعلت رضا الله في رضا الوالدين وسخطه سبحانه في سخطهما ، كما في الحديث: “رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد”
للعقوق صور واضحة ومتنوعة كما ذكرت نذكر منها: أن يتسبب الولد في سب ولعن أبويه أو أحدهما وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ { أَنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ . قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ , وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ } .فالعقوق محرم قطعًا مذموم شرعًا وعقلاً، فما معنى العقوق؟ يقول العلامة ابن حجر رحمه الله: العقوق أن يحصل لهما أو لأحدهما أذىً ليس بالهيِّن عُرفًا ، ويكون هذا الإيذاء بفعل أو بقول أو إشارة، ومن مظاهره مخالفة أمر الوالدين أو أحدهما في غير معصية ،أو ارتكاب ما نهيا عنه ما لم يكن طاعة، أو سبهما وضربها، ومنعهما ما يحتاجانه مع القدرة وغير ذلك.
واتفق أهل العلم على عدِّ العقوق كبيرة من الكبائر، يقول الله عز وجل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)[الإسراء:23].فانظر كيف نهى عن الإيذاء بالفعل أو بالقول حتى ولو كان كلمة “أفٍ” التي تدل على الضجر.
كما إنه متوعد بعقوق أولاده له؛ فكل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإنه يعجل لصاحبه في الحياة قبل الممات.
قال الأصمعي: حدثني رجل من الأعراب قال: خرجت من الحي أطلب أعقَّ الناس، وأبرَّ الناس، فكنت أطوف بالأحياء حتى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل يستقي بدلو لا تطيقه الإبل في الهاجرة والحرِّ الشديد، وخلفه شاب في يده رشاء (أي حبل) ملوي يضربه به ، قد شق ظهره بذلك الحبل ، فقلت: أما تتقي الله في هذا الشيخ الضعيف؟ أما يكفيه ما هو فيه من هذا الحبل حتى تضربه؟ قال: إنه مع هذا أبي فقلت: فلا جزاك الله خيرًا قال: اسكت فهكذا كان هو يصنع بأبيه ، وهكذا كان يصنع. فانظر كيف قيض الله لهذا الوالد العاق من أبنائه مَن يعقه! والجزاء من جنس العمل: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)[فصلت:46].
بعض الأبناء يبخل بماله على أبيه مع علمه بأن والديه يحتاجون النفقة والمساعدة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : “أنت ومالك لأبيك” وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله عز وجل حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأْد البنات…”والتي جعلت الجنة تحت أقدام الأمهات فلن يدخل الجنة عاقٌ لوالديه، وَرَوَى الْأَصْبَهَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ نَزَلْت مَرَّةً حَيًّا وَإِلَى جَانِبِ ذَلِكَ الْحَيِّ مَقْبَرَةٌ , فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ انْشَقَّتْ مِنْهَا قَبْرٌ فَخَرَجَ مِنْهُ رَجُلٌ رَأْسُهُ رَأْسُ حِمَارٍ وَجَسَدُهُ جَسَدُ إنْسَانٍ فَنَهَقَ ثَلَاثَ نَهْقَاتٍ ثُمَّ انْطَبَقَ عَلَيْهِ الْقَبْرُ فَإِذَا عَجُوزٌ تَغْزِلُ شَعْرًا أَوْ صُوفًا , فَقَالَتْ امْرَأَةٌ تَرَى تِلْكَ الْعَجُوزَ ؟ قُلْت مَالَهَا ؟ قَالَتْ تِلْكَ أُمُّ هَذَا . قُلْت وَمَا كَانَ قِصَّتُهُ ؟ قَالَتْ كَانَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ فَإِذَا رَاحَ تَقُولُ لَهُ أُمُّهُ يَا بُنَيَّ اتَّقِ اللَّهَ إلَى مَتَى تَشْرَبُ هَذَا الْخَمْرَ ؟ فَيَقُولُ لَهَا أَنْتِ تَنْهَقِينَ كَمَا يَنْهَقُ الْحِمَارُ . قَالَتْ فَمَاتَ بَعْدَ الْعَصْرِ . قَالَتْ فَهُوَ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ بَعْدَ الْعَصْرِ كُلَّ يَوْمٍ فَيَنْهَقُ ثَلَاثَ نَهْقَاتٍ ثُمَّ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ الْقَبْرُ . قَالَ الْأَصْبَهَانِيُّ حَدَّثَ بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ إمْلَاءً بِنَيْسَابُورَ بِمَشْهَدٍ مِنْ الْحَافِظِ فَلَمْ يُنْكِرُوهُ .
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه قَالَ : { كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ شَابٌّ يَجُودُ بِنَفْسِهِ قِيلَ لَهُ قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ , فَقَالَ كَانَ يُصَلِّي ؟ فَقَالَ نَعَمْ , فَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَهَضْنَا مَعَهُ فَدَخَلَ عَلَى الشَّابِّ فَقَالَ لَهُ قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ , فَقَالَ لَا أَسْتَطِيعُ , فَقَالَ لِمَ ؟ قَالَ كَانَ يَعُقُّ وَالِدَتَهُ , فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحَيَّةٌ وَالِدَتُهُ ؟ قَالُوا نَعَمْ , قَالَ اُدْعُوهَا , فَدَعَوْهَا فَجَاءَتْ , فَقَالَ هَذَا ابْنُك ؟ فَقَالَتْ نَعَمْ . فَقَالَ لَهَا أَرَأَيْت لَوْ أُجِّجَتْ نَارٌ ضَخْمَةٌ فَقِيلَ لَك إنْ شَفَعْت لَهُ خَلَّيْنَا عَنْهُ وَإِلَّا حَرَقْنَاهُ بِهَذِهِ النَّارِ أَكُنْت تَشْفَعِينَ لَهُ ؟ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَنْ أَشْفَعُ , قَالَ فَأَشْهِدِي اللَّهَ وَأَشْهِدِينِي أَنَّك قَدْ رَضِيت عَنْهُ , قَالَتْ اللَّهُمَّ إنِّي أُشْهِدُك وَأُشْهِدُ رَسُولَك أَنِّي قَدْ رَضِيت عَنْ ابْنِي , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا غُلَامُ قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَاشْهَدْ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , فَقَالَهَا , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنْ النَّارِ } وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مُخْتَصَرًا . { وَيُرْوَى أَنَّ اسْمَ الشَّابِّ عَلْقَمَةَ , وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَمَرَ أُمَّهُ بِالرِّضَى عَلَيْهِ أَبَتْ , فَدَعَا بِحُزَمِ الْحَطَبِ وَالنَّارِ , فَقَالَتْ مَا تَصْنَعُ بِذَلِكَ ؟ قَالَ أُحْرِقُ وَلَدَك عَلْقَمَةَ , فَرَضِيَتْ عَلَيْهِ } , أَوْ كَمَا وَرَدَ. وَاَللَّهُ أَعْلم .